استعادت الأسهم زخمها الصعودي في النصف الأول من شهر مايو بعد انتكاسة قصيرة في أبريل عندما بدا أن المستثمرين يركزون على سياسة أسعار الفائدة للبنك الاحتياطي الفيدرالي على العوامل الأساسية الأخرى، وخسر مؤشر ستاندرد آند بورز 500 أكثر من 4% من قيمته في أبريل لكنه عوض عن تلك الخسائر من خلال توليد عائدات تجاوزت 5% حتى تاريخه حتى 17 مايو 2024، ومع تعافي الأسواق وصل كل من مؤشر ستاندرد آند بورز 500 ومؤشر داو جونز الصناعي إلى أعلى مستوياتهما على الإطلاق، وعلى غرار عام 2023 كان قطاع خدمات الاتصالات وأسهم تكنولوجيا المعلومات من بين القطاعات الرائدة، ومع ذلك، فإن ارتفاع السوق هذا العام يشمل مشاركة العديد من القطاعات التي تأخرت عن أداء السوق القوي في عام 2023.
في شهر أبريل، استوعب المستثمرون المخاوف الناشئة من أن البنك الاحتياطي الفيدرالي لم يكن مستعدًا لبدء خفض أسعار الفائدة على عكس توقعات أسواق تداول الاسهم في البداية، ولكن مع بدء تدفق تقارير أرباح الربع الأول الإيجابية، عكس المستثمرون مسارهم بسرعة في مايو، وتراجعت مخاوف البنك الاحتياطي الفيدرالي فجأة إلى الخلفية أمام أساسيات السوق.
يُذكر أن البنك الاحتياطي الفيدرالي قد فتح الباب أمام خفض أسعار الفائدة بدءًا من أواخر العام الماضي، لكن البيانات الاقتصادية الأحدث بما في ذلك التضخم المستمر بعناد قلصت من تلك التوقعات، ومع ذلك، فإن قراءة مؤشر أسعار المستهلك في شهر أبريل البالغة 3.4% على أساس سنوي بانخفاض من 3.5% في مارس، كانت علامة مشجعة للأسواق.
بشكل عام، لا يزال الزخم في الأسواق مدفوعًا بشركات التكنولوجيا ذات القيمة السوقية الكبيرة، لكننا شهدنا بعض التوسع المبكر عبر القطاعات الدورية وخاصة في الأسواق الدولية، نرى مجالًا للتوسع المستمر، حيث من المحتمل أن يتباطأ التضخم بشكل أكبر ويستمر نمو الأرباح في تحقيق النتائج ويتم الشعور بمكاسب الذكاء الاصطناعي في النهاية عبر القطاعات، لهذا يجب أن نستمر في مراقبة ثلاثة عوامل رئيسية لتحديد ما إذا كان السوق الصاعد سيستمر أم سيعكس اتجاهه مرة اخري وهم مسار البنك الاحتياطي الفيدرالي والتضخم والنمو الاقتصادي ونمو الأرباح.
1 .مسار البنك الاحتياطي الفيدرالي والتضخم:
يمكن القول إن الأسواق أولت أكبر قدر من الاهتمام للتضخم ومسار تخفيض أسعار الفائدة من قبل البنك الاحتياطي الفيدرالي منذ بداية العام حتى الآن، لقد كان التضخم مفاجئًا للارتفاع خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام، وقد رفض البنك الاحتياطي الفيدرالي خفض أسعار الفائدة إذا لم تتعاون البيانات، لذا فإن السؤال الرئيسي للمستثمرين هو ما إذا كانوا يعتقدون أن التضخم سيظهر اتجاهًا معتدلاً في الأشهر المقبلة، وهو ما من شأنه أن يمنح البنك الاحتياطي الفيدرالي الثقة لخفض أسعار الفائدة.
من وجهة نظرنا، سيعتدل التضخم في الأشهر المقبلة، وإن لم يكن في خط مستقيم إلى الأسفل، لسببين رئيسيين: أولاً، نستمر في الاعتقاد بأن مكونات المأوى والإيجار في سلال التضخم ستتحرك إلى الأسفل في الأشهر المقبلة، لأنها تميل إلى التخلف عن الاتجاهات في الوقت الفعلي، والتي أظهرت اعتدالًا في أسعار المساكن والإيجارات، وثانياً: نعتقد أن بعض التراجع في سوق العمل من شأنه أن يؤدي إلى استمرار تخفيف مكاسب الأجور، وهو ما من شأنه أن يدفع التضخم في قطاع الخدمات إلى الانخفاض، وفي المجمل، ونظراً لهذا السيناريو الأساسي المتمثل في انخفاض التضخم، فإننا نتوقع خفض أسعار الفائدة من قِبَل البنك الاحتياطي الفيدرالي مرة أو مرتين هذا العام، ربما بوتيرة ربع سنوية، في شهري سبتمبر وديسمبر وهو ما من شأنه أيضاً أن يدعم معنويات السوق والسوق الصاعدة.
2 .النمو الاقتصادي ونمو الأرباح:
العامل الرئيسي الثاني الذي ينبغي مراقبته هو مسار الاقتصاد الأميركي ونمو الأرباح، ونحن نعلم أن نمو الأرباح يدعم أسعار الأسهم، ومن المتوقع هذا العام أن تنمو أرباح مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنسبة 10% إلى 11% وهو ما يتجاوز كثيراً معدل النمو في العام الماضي الذي بلغ 1%.
وبعد أن تجاوزنا معظم موسم أرباح الربع الأول فلم يخيب نمو أرباح الشركات الآمال، وقد أعلنت حوالي 95% من شركات مؤشر ستاندرد آند بورز 500 عن أرباحها، ومن بين هذه الشركات تجاوزت ما يقرب من 80% من الشركات توقعات الأرباح، وهو ما يتجاوز متوسط المعدل الطويل الأجل البالغ 77%، ومن المتوقع الآن أن يأتي نمو الأرباح للربع بنسبة صحية تبلغ 6% وهو ما يتجاوز التوقعات بنمو 3.5% في بداية الربع.
ولكن ما الذي قد يعرقل زخم الأرباح؟
نحن نراقب مسار النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة والذي يبدو أنه يتباطأ تدريجيًا، وفي الآونة الأخيرة، رأينا بيانات مثل مبيعات التجزئة ونمو الوظائف غير الزراعية وبعض قراءات ثقة المستهلك تأتي أقل من التوقعات، كما سمعنا من تجار التجزئة بما في ذلك ماكدونالدز وستاربكس وتارجت يشيرون جميعًا إلى أن المستهلك قد يتراجع قليلاً عن الإنفاق وخاصة المستهلكين من ذوي الدخل المنخفض.
ومع ذلك، بدأ الاقتصاد الأمريكي من موقف قوة، مع نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي في عام 2023 بنسبة قوية تبلغ 3.4% وهو أعلى بكثير من معدلات النمو الاتجاهية التي تتراوح بين 1.5% -2%، وبالتالي، في حين قد يتباطأ الاقتصاد (ربما إلى نمو يتماشى مع الاتجاهات) فإننا لا نرى بعد مجالًا لظهور ركود عميق أو بيئة ركود، وفي هذه الخلفية، قد تبرد الإيرادات الإجمالية للشركات، لكن الأرباح قد تصمد بشكل أفضل خاصة إذا انخفضت تكاليف العمالة والمدخلات أيضًا.
بشكل عام، نعتقد أن نمو الأرباح سيستمر في تحقيق النتائج عبر القطاعات، وهو ما ينبغي أن يدعم أداء الأسهم والسوق الصاعدة على نطاق أوسع.
3 .الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا:
أخيرًا، لا يمكن القول إن السوق الصاعدة لا يمكن أن تستمر بدون مساهمة قطاعات التكنولوجيا وأسهم النمو ذات القيمة السوقية الضخمة وخاصة في السوق الأمريكية، نحن ندرك أن مؤشر ستاندرد آند بورز 500 يميل بشكل كبير نحو قطاعات التكنولوجيا والنمو، في الواقع، تشكل ثلاثة قطاعات نمو وهم: قطاع خدمات الاتصالات وقطاع السلع الاستهلاكية التقديرية وقطاع التكنولوجيا التي تضم جميعها أسهم ” Magnificent 7″ حوالي 50% من وزن المؤشر.
على مدى العام ونصف العام الماضيين، استفادت الأسواق الأمريكية بشكل كبير من شركات التكنولوجيا، حيث ساعد الحماس حول الذكاء الاصطناعي وآفاق نموه في دفع أسواق الأسهم إلى الارتفاع، على سبيل المثال: في عام 2023 ارتفع مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنحو 24%، لكن قطاعات النمو الثلاثة ارتفعت بنسبة 40% إلى 55%، وحتى الآن، نستمر في رؤية شركات مثل شركة الذكاء الاصطناعي العملاقة نيفادا تحقق أرباحًا وتوجيهات مثيرة للإعجاب، مدفوعة بالنمو الهائل في أعمال مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي.
ولكن ماذا يحدث إذا تعثر قطاع التكنولوجيا ذات القيمة السوقية الضخمة، في حين نتوقع نوبات من التقلب في قطاعي النمو والتكنولوجيا، فإننا نعتقد أيضًا أننا في المراحل الأولى من نمو طويل الآجل في مجال الذكاء الاصطناعي.
قد تشهد الأسواق فترات من دوران القيادة بعيدًا عن التكنولوجيا على المدي، ولكن من وجهة نظرنا، سيستمر المستثمرون في العودة إلى التكنولوجيا والنمو الضخمين باعتبارهما أصولاً أساسية لأننا من المرجح أن نستمر في رؤية إعلانات عن تطورات جديدة ومبتكرة مدفوعة بالذكاء الاصطناعي في السنوات المقبلة، بالإضافة إلى استخدام هذه الشركات مراكزها النقدية الكبيرة لإعادة الاستثمار في أعمالها وكذلك إعادة القيمة إلى المساهمين، من خلال إعادة شراء الأسهم وزيادة الأرباح.
على نطاق أوسع، في حين كان “الفائزون” الأوائل في مجال الذكاء الاصطناعي هم الممكّنون للذكاء الاصطناعي (شركات التكنولوجيا وأشباه الموصلات الضخمة)، نعتقد أنه بمرور الوقت سيشمل المستفيدون من الذكاء الاصطناعي أيضًا والقطاعات التي ستستفيد من مكاسب الإنتاجية، من المتوقع أن تستفيد المجالات خارج التكنولوجيا مثل الخدمات المالية والرعاية الصحية والسيارات والتصنيع، حيث يساعد الذكاء الاصطناعي هذه الشركات على تحقيق مكاسب في الإنتاجية والكفاءة، وبالتالي، في حين يركز الفائزون الأوائل في مجال الذكاء الاصطناعي على التكنولوجيا والنمو، فإننا نستمر في رؤية الحجة لصالح التوسع في القيادة خارج النمو والتكنولوجيا، وهذا يجعل الحجة لصالح تنويع المحفظة أكثر إقناعًا.
من المرجح أن يستمر سوق الصعود الحالي
بشكل عام، نرى أن السوق الصاعد الذي بدأ في أكتوبر 2022 سيستمر ربما في السنوات القادمة، مدفوعًا بالمبادئ الأساسية الثلاثة الموضحة أعلاه: اتجاهات التضخم الأفضل وبنك الاحتياطي الفيدرالي الذي يبدأ دورة خفض أسعار الفائدة ونمو الأرباح في نطاق مزدوج الرقم لهذا العام وسوق صعودية أطول أمدًا في مجال الذكاء الاصطناعي والتي من شأنها أن تدعم قطاعات متعددة من السوق بمرور الوقت.
ضع في اعتبارك أنه تاريخيًا، تكون أسواق الصعود أطول وأقوى من أسواق الهبوط (الأسواق التي تنخفض بنسبة 20% أو أكثر)، منذ عام 1946 استمر متوسط سوق هبوط مؤشر ستاندرد آند بورز 500 حوالي 16 شهر بمتوسط انخفاضات بلغ 34%، بينما استمر متوسط سوق الصعود حوالي 5 -6 سنوات بمتوسط مكاسب بلغ 192%، حتى مع إزالة أطول سوقين صاعدين، يستمر متوسط سوق الصعود حوالي 3 – 4سنوات محققًا مكاسب بنسبة 125%، وبما أننا قد مر أكثر من عام ونصف العام منذ بداية سوق الصعود الحالية، مع ارتفاع مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنحو 48% خلال تلك الفترة، فإن التاريخ يخبرنا بأننا قد نحظى ببعض الوقت وارتفاع الأسعار في المستقبل.
ونستمر في التوصية بالحفاظ على زيادة الوزن في أسهم الشركات ذات القيمة السوقية الكبيرة والمتوسطة في الولايات المتحدة، مع تحقيق التوازن بين قطاعات النمو وقطاعات القيمة والقطاعات الدورية.
في الختام:
تتحرك الأسهم بشكل متكرر صعودًا وهبوطًا، ففي الفترة بين نوفمبر 2023 ومنتصف مايو 2024 تحرك سوق الأسهم للأعلى (بعد اتجاه هبوطي عام بين أغسطس وأكتوبر 2023)، باستثناء انتكاسة متواضعة في أبريل 2024، تعكس قوة السوق خلال الجزء الأكبر من تلك الفترة توقعات بتغيير كبير في السياسة النقدية للبنك الاحتياطي الفيدرالي، حيث أشار البنك الاحتياطي الفيدرالي إلى أنه قد يبدأ في خفض سعر الفائدة المستهدف للأموال الفيدرالية قصيرة الأجل في عام 2024، وهذا تحول كبير عن سياسة البنك التي شهدت 11 زيادة متتالية في أسعار الفائدة في الفترة ما بين مارس 2022 ويوليو 2023 وهي خطوة مصممة لإبطاء معدل التضخم المرتفع، ويعد موقف الاحتياطي الفيدرالي من أسعار الفائدة اعتبارًا رئيسيًا لمستثمري الأسهم في سوق اليوم، ومع ذلك، يبدو أن المستثمرين قد يضطرون إلى الانتظار حتى وقت لاحق في هذا العام لرؤية أي تخفيضات في أسعار الفائدة من جانب البنك الاحتياطي.